ليلة النصف من شعبان و قول الألباني فيه

ارى بعض العلماء فى بلاد متفرقة – خصوصا فى بلادنا بنغلاديش – أنهم يشددون فى إنكار فضل ليلة النصف من شعبان ، حتى كأنهم ينكرون وجود ليلة كذا و الأحاديث الواردة فيها. والحق أن اللية فضلها ثابت بالحديث ، لا يمكن إنكاره. و إنه ثبت فيها دعاء النبي صلى الله عليه و سلم لأهل البقيع أيضا ، رواه البخاري في صحيحه ، فكيف السبيل إلى تضعيفها؟

إن القول باحتفال هذه الليلة بدعة لا شك فيها. و كذلك القول بإنكار فضلها غلو لا محالة. و الإسلام دين معتدل. فالرأى المعتدل رأى صحيح ههنا. و هو أن الليلة ثابت فضلها. و لكن لا يجوز الاحتفال بها و لا الإعلان على العبادة فيها. و لكن جاز أن يعبد المسلم وحده و يدعو ربه تعالى فيستغفره و يستعينه.

و إن قول الألباني فى سلسلة الأحاديث الصحيحة أمامكم ، لأن تفكروا و تعدلوا بين الأقوال و تخيروا ما هو الأوسط و المعتدل و الأصح. وفقنا الله و إياكم جميعا بما هو خير. آمين.

سلسلة الأحاديث الصحيحة

1144…” يطلع الله تبارك و تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان , فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ” .

قال الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” 3 / 135 :
حديث صحيح , روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضا و هم # معاذ ابن جبل و أبو ثعلبة الخشني و عبد الله بن عمرو و أبي موسى الأشعري و أبي هريرة و أبي بكر الصديق و عوف ابن مالك و عائشة # .

1.   أما حديث معاذ فيرويه مكحول عن مالك بن يخامر عنه مرفوعا به . أخرجه ابن أبي عاصم في ” السنة ” رقم ( 512 – بتحقيقي ) حدثنا هشام بن خالد حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد عن الأوزاعي و ابن ثوبان ( عن أبيه ) عن مكحول به . و من هذا الوجه أخرجه ابن حبان ( 1980 ) و أبو الحسن القزويني في ” الأمالي ” ( 4 / 2 ) و أبو محمد الجوهري في ” المجلس السابع ” ( 3 / 2 ) و محمد بن سليمان الربعي في ” جزء من حديثه ” ( 217 / 1 و 218 / 1 ) و أبو القاسم الحسيني في ” الأمالي ” ( ق 12 / 1 ) و البيهقي في ” شعب الإيمان ” ( 2 / 288 / 2 ) و ابن عساكر في ” التاريخ ” ( 15 / 302 / 2 ) و الحافظ عبد الغني المقدسي في ” الثالث و التسعين من تخريجه ” ( ق 44 / 2 ) و ابن المحب في ” صفات رب العالمين ” ( 7 / 2 و 129 / 2 ) و قال : ” قال الذهبي : مكحول لم يلق مالك بن يخامر ” .
قلت : و لولا ذلك لكان الإسناد حسنا , فإن رجاله موثوقون , و قال الهيثمي في ” مجمع الزوائد ” ( 8 / 65 ) : ” رواه الطبراني في ” الكبير ” و ” الأوسط ” و رجالهما ثقات ” .

2.   و أما حديث أبي ثعلبة فيرويه الأحوص بن حكيم عن مهاصر بن حبيب عنه . أخرجه ابن أبي عاصم ( ق 42 – 43 ) و محمد بن عثمان بن أبي شيبة في ” العرش ” ( 118 / 2 ) و أبو القاسم الأزجي في ” حديثه ” ( 67 / 1 ) و اللالكائي في ” السنة ” ( 1 / 99 – 100 ) و كذا الطبراني كما في ” المجمع ” و قال : ” و الأحوص بن حكيم ضعيف ” . و ذكر المنذري في ” الترغيب ” ( 3 / 283 ) أن الطبراني و البيهقي أيضا أخرجه عن مكحول عن أبي ثعلبة , و قال البيهقي : ” و هو بين مكحول و أبي ثعلبة مرسل جيد ” .

3.   و أما حديث عبد الله بن عمرو فيرويه ابن لهيعة حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عنه . أخرجه أحمد ( رقم 6642 ) .
قلت : و هذا إسناد لا بأس به في المتابعات و الشواهد , قال الهيثمي : ” و ابن لهيعة لين الحديث و بقية رجاله وثقوا ” . و قال الحافظ المنذري : ( 3 / 283 ) ” و إسناده لين ” .
قلت : لكن تابعه رشدين بن سعد بن حيي به . أخرجه ابن حيويه في ” حديثه ” . ( 3 / 10 / 1 ) فالحديث حسن .

4.   و أما حديث أبي موسى فيرويه ابن لهيعة أيضا عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه قال : سمعت أبا موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه . أخرجه ابن ماجه ( 1390 ) و ابن أبي عاصم اللالكائي .
قلت : و هذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة . و عبد الرحمن و هو ابن عرزب والد الضحاك مجهول . و أسقطه ابن ماجه في رواية له عن ابن لهيعة .

5.   و أما حديث أبي هريرة فيرويه هشام بن عبد الرحمن عن الأعمش عن أبي صالح عنه مرفوعا بلفظ : ” إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو مشاحن ” . أخرجه البزار في ” مسنده ” ( ص 245 – زوائده ) . قال الهيثمي : ” و هشام بن عبد الرحمن لم أعرفه , و بقية رجاله ثقات ” .

6.   و أما حديث أبي بكر الصديق فيرويه عبد الملك بن عبد الملك عن مصعب بن أبي ذئب عن القاسم بن محمد عن أبيه أو عمه عنه . أخرجه البزار أيضا و ابن خزيمة في ” التوحيد ” ( ص 90 ) و ابن أبي عاصم و اللالكائي في ” السنة ” ( 1 / 99 / 1 ) و أبو نعيم في ” أخبار أصبهان ” ( 2 / 2 ) و البيهقي كما في ” الترغيب ” ( 3 / 283 ) و قال : ” لا بأس بإسناده ” ! و قال الهيثمي : ” و عبد الملك بن عبد الملك ذكره ابن أبي حاتم في ” الجرح و التعديل ” و لم يضعفه . و بقية رجاله ثقات ” ! كذا قالا , و عبد الملك هذا قال البخاري : ” في حديثه نظر ” . يريد هذا الحديث كما في ” الميزان ” .

7.   و أما حديث عوف ابن مالك فيرويه ابن لهيعة عن عبد الرحمن ابن أنعم عن عبادة ابن نسي عن كثير بن مرة عنه . أخرجه أبو محمد الجوهري في ” المجلس السابع ” و البزار في ” مسنده ” ( ص 245 ) و قال : ” إسناده ضعيف ” .
قلت : و علته عبد الرحمن هذا و به أعله الهيثمي فقال : ” و ثقة أحمد بن صالح و ضعفه جمهور الأئمة , و ابن لهيعة لين و بقية رجاله ثقات ” .
قلت : و خالفه مكحول فرواه عن كثير بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . رواه البيهقي و قال : ” هذا مرسل جيد ” . كما قال المنذري . أخرجه اللالكائي ( 1 / 102 / 1 ) عن عطاء بن يسار و مكحول و الفضل بن فضالة بأسانيد مختلفة عنهم موقوفا عليهم و مثل ذلك في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي . و قد قال الحافظ ابن رجب في ” لطائف المعارف ” ( ص 143 ) : ” و في فضل ليلة نصف شعبان أحاديث متعددة و قد اختلف فيها , فضعفها الأكثرون و صحح ابن حبان بعضها و خرجه في ” صحيحه ” و من أمثلها حديث عائشة قالت : فقدت النبي صلى الله عليه وسلم … ” الحديث .

8.   و أما حديث عائشة فيرويه حجاج عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عنه مرفوعا بلفظ : ” إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا , فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ” . أخرجه الترمذي ( 1 / 143 ) و ابن ماجه ( 1389 ) و اللالكائي ( 1 / 101 / 2 ) و أحمد ( 6 / 238 ) و عبد بن حميد في ” المنتخب من المسند ” ( 194 / 1 – مصورة المكتب ) و فيه قصة عائشة في فقدها النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة . و رجاله ثقات لكن حجاج و هو ابن أرطأة مدلس و قد عنعنه , و قال الترمذي ” و سمعت محمد ( يعني البخاري ) : يضعف هذا الحديث ” .

و جملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب و الصحة تثبت بأقل منها عددا ما دامت سالمة من الضعف الشديد كما هو الشأن في هذا الحديث , فما نقله الشيخ القاسمي رحمه الله تعالى في ” إصلاح المساجد ” ( ص 107 ) عن أهل التعديل و التجريح أنه ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح , فليس مما ينبغي الاعتماد عليه , و لئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول فإنما أوتي من قبل التسرع و عدم وسع الجهد لتتبع الطرق على هذا النحو الذي بين يديك . و الله تعالى هو الموفق.

انتهى كلامه.